تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 216 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 216

216 : تفسير الصفحة رقم 216 من القرآن الكريم

أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
{62} الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ {63} لَهُمُ الْبُشْرَى
فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ
ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {64}
يخبر تعالى أن أولياءه هم الذين آمنوا وكانوا يتقون كما فسرهم بهم فكل من كان تقيا كان لله وليا ف ( لا خوف عليهم ) أي فيما يستقبلونه من أهوال الآخرة ( ولاهم يحزنون ) على ما وراءهم في الدنيا وقال عبد الله بن مسعود وبن عباس وغير واحد من السلف أولياء الله الذين إذا رؤوا ذكر الله وقد ورد هذا في حديث مرفوع كما قال البزار 3626 حدثنا علي بن حرب الرازي حدثنا محمد بن سعيد بن سابق حدثنا يعقوب بن عبد الله الأشعري وهو القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال قال رجل يا رسول الله من أولياء الله قال الذين إذا رؤوا ذكر الله ثم قال البزار وقد روي عن سعيد مرسلا وقال بن جرير حدثنا أبو هشام الرفاعي حدثنا أبو فضيل حدثنا أبي عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن عمرو بن جرير البجلي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله إن من عباد الله عبادا يغبطهم الأنبياء والشهداء قيل من هم يا رسول الله لعلنا نحبهم قال هم قوم تحابوا في الله من غير أموال ولا أنساب وجوههم نور على منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس ثم قرأ ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) ثم رواه 11132 أيضا أبو داود 3527 من حديث جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن عمرو بن جرير عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي بمثله وهذا أيضا إسناد جيد إلا أنه منقطع بين أبي زرعة وعمر بن الخطاب والله أعلم وفي حديث الإمام أحمد 5343 عن أبي النضر عن عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري قال قال رسول الله يأتي من أفناء الناس ونوازع القبائل قوم لم تتصل بينهم أرحام متقاربة تحابوا في الله وتصافوا في الله يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسهم عليها يفزع الناس ولا يفزعون وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون والحديث مطول وقال الإمام أحمد 6445 حدثنا عبد الرزاق أخبرنا سفيان عن الأعمش عن ذكوان بن أبي صالح عن رجل عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي في قوله ( لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) قال الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له
وقال بن جرير حدثني أبو السائب حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر عن أبي الدرداء في قوله ( لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) قال سأل رجل أبا الدرداء عن هذه الآية فقال لقد سألت عن شيء ما سمعت أحدا سأل عنه بعد رجل سأل عنه رسول الله فقال هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل المسلم أو ترى له بشراه في الحياة الدنيا وبشراه في الآخرة الجنة ثم رواه بن جرير عن سفيان عن بن المنكدر عن عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر أنه سأل أبا الدرداء عن هذه الآية فذكر نحو ما تقدم ثم قال بن جرير حدثني المثنى حدثنا حجاج بن منهال حدثنا حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح قال سمعت أبا الدرداء سئل عن هذه الآية ( الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى ) فذكر نحوه سواء وقال الإمام أحمد 5315 حدثنا عفان حدثنا أبان حدثنا يحيى عن أبي سلمة عن عبادة بن الصامت أنه سأل رسول الله فقال يا رسول الله أرأيت قول الله تعالى ( لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) فقال لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي أو قال أحد قبلك تلك الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له وكذا رواه أبو داود الطيالسي 583 عن عمران القطان عن يحيى بن أبي كثير به ورواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير فذكره ورواه علي بن المبارك عن يحيى عن أبي سلمة قال نبئنا عن عبادة بن الصامت سأل رسول الله عن هذه الآية فذكره وقال بن جرير حدثني أبو حميد الحمصي حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا عمر بن عمرو بن عبد الأحموسي عن حميد بن عبد الله المزني قال أتى رجل عبادة بن الصامت فقال آية في كتاب الله أسألك عنها قول الله تعالى ( لهم البشرى في الحياة الدنيا ) فقال عبادة ما سألني عنها أحد قبلك سألت عنها نبي الله فقال مثل ذلك ما سألني عنها أحد قبلك الرؤيا الصالحة يراها العبد المؤمن في المنام أو ترى له ثم رواه من حديث موسى بن عبيدة عن أيوب بن خالد بن صفوان عن عبادة بن الصامت أنه قال لرسول الله ( لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) فقد عرفنا بشرى الآخرة الجنة فما بشرى الدنيا قال الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له وهي جزء من أربعة وأربعين جزءا أو سبعين جزءا من النبوة وقال الإمام أحمد أيضا 5156 حدثنا بهز حدثنا حماد حدثنا أبو عمران عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر أنه قال يا رسول الله الرجل يعمل العمل ويحمده الناس عليه ويثنون عليه به فقال رسول الله تلك عاجل بشرى المؤمن رواه مسلم 2642 وقال أحمد أيضا 2219 حدثنا حسن يعني الأشيب حدثنا بن لهيعة حدثنا دراج عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله أنه قال ( لهم البشرى في الحياة الدنيا ) قال الرؤيا الصالحة يبشرها المؤمن جزء من تسعة وأربعين جزءا من النبوة فمن رأى ذلك فليخبر بها ومن رأى سوى ذلك فإنما هو من الشيطان ليحزنه فلينفث عن يساره ثلاثا وليكبر ولا يخبر بها أحدا لم يخرجوه وقال بن جرير حدثني يونس أنبأنا بن وهب حدثني عمرو بن الحارث أن دراجا أبا السمح حدثه عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله أنه قال لهم البشرى في الحياة الدنيا الرؤيا الصالحة يبشرها المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة وقال أيضا بن جرير حدثني محمد بن أبي حاتم المؤدب حدثنا عمار بن محمد حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي ( لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) قال في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له وهي في الآخرة الجنة ثم رواه عن أبي كريب عن أبي بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة أنه قال الرؤيا الحسنة بشرى من الله وهي من المبشرات هكذا رواه من هذه الطريق موقوفا وقال أيضا حدثنا أبو كريب حدثنا أبو بكر حدثنا هشام عن بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله الرؤيا الحسنة هي البشرى يراها المسلم أو ترى له وقال بن جرير حدثني أحمد بن حماد الدولابي حدثنا سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه عن سباع بن ثابت عن أم كريز الكعبية سمعت رسول الله يقول ذهبت النبوة وبقيت المبشرات وهكذا روي عن بن مسعود وأبي هريرة وبن عباس ومجاهد وعروة بن الزبير ويحيى بن أبي كثير وإبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح وغيرهم أنهم فسروا ذلك بالرؤيا الصالحة وقيل المراد بذلك بشرى الملائكة للمؤمن عند احتضاره بالجنة والمغفرة كقوله تعالى ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم ) وفي حديث البراء رضي الله عنه أن المؤمن إذا حضره الموت جاءه ملائكة بيض الوجوه بيض الثياب فقالوا اخرجي أيتها الروح الطيبة إلى روح وريحان ورب غير غضبان فتخرج من فمه كما تسيل القطرة من فم السقاء وأما بشراهم في الآخرة فكما قال تعالى ( لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ) وقال تعالى ( يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم )
وقوله ( لا تبديل لكلمات الله ) أي هذا الوعد لا يبدل ولا يخلف ولا يغير بل هو مقرر مثبت كائن لا محالة ( ذلك هو الفوز العظيم )
وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ
الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {65} أَلا إِنَّ لِلّهِ
مَن فِي السَّمَاوَات وَمَن فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ
يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ شُرَكَاء إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ
الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ {66} هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ
اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ
لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ {67}
يقول تعالى لرسوله ( ولا يحزنك ) قول هؤلاء المشركين واستعن بالله عليهم وتوكل عليه فإن العزة لله جميعا أي جميعها له ولرسوله وللمؤمنين ( هو السميع العليم ) أي السميع لأقوال عباده العليم بأحوالهم ثم أخبر تعالى أن له ملك السماوات والأرض وأن المشركين يعبدون الأصنام وهي لا تملك شيئا لا ضرا ولا نفعا ولا دليل لهم على عبادتها بل إنما يتبعون في ذلك ظنونهم وتخرصهم وكذبهم وإفكهم ثم أخبر أنه الذي جعل لعباده الليل ليسكنوا فيه أي يستريحون فيه من نصبهم وكلامهم وحركاتهم ( والنهار مبصرا ) أي مضيئا لمعاشهم وسعيهم وأسفارهم ومصالحهم ( إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون ) أي يسمعون هذه الحجج والأدلة فيعتبرون بها ويستدلون على عظمة خالقها ومقدرها ومسيرها
قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً
سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ
إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَـذَا أَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا
لاَ تَعْلَمُونَ {68} قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ
لاَ يُفْلِحُونَ {69} مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ
نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ {70}
يقول تعالى منكرا على من ادعى أن له ولدا ( سبحانه هو الغني ) أي تقدس عن ذلك هو الغني عن كل ما سواه وكل شيء فقير إليه ( له ما في السماوات ومافي الأرض ) أي فكيف يكون له ولد مما خلق وكل شيء مملوك له عبد له ( إن عندكم من سلطان بهذا ) أي ليس عندكم دليل على ما تقولونه من الكذب والبهتان ( أتقولون على الله ما لا تعلمون ) إنكار ووعيد أكيد وتهديد شديد كقوله تعالى ( وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات والأرض إلا آت الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ) ثم توعد تعالى الكاذبين عليه المفترين ممن زعم أن له ولدا بأنهم لا يفلحون في الدنيا ولا في الآخرة فأما في الدنيا فإنهم إذا استدرجهم وأملى لهم متعهم قليلا ( ثم يضطرهم إلى عذاب غليظ ) كما قال تعالى ها هنا ( متاع في الدنيا ) أي مدة قريبة ( ثم إلينا مرجعهم ) أي يوم القيامة ( ثم نذيقهم العذاب الشديد ) أي الموجع المؤلم ( بما كانوا يكفرون ) أي بسبب كفرهم وافترائهم وكذبهم على الله فيما ادعوه من الإفك والزور